.خبر أبي حمزة وطالب وإسحق.
كان اسم أبي حمزة الخارجي المختار بن عوف الأزدي البصري وكان من الخوارج الإباضية وكان يوافي مكة كل موسم يدعو إلى خلاف مروان وجاء عبد الله ابن يحيى المعروف بطالب الحق سنة ثمان وعشرين وهو من حضرموت فقال له: إنطلق معي فإني مطاع في قومي فانطلق معه إلى حضرموت وبايعه على الخلافة وبعثه عبد الله سنة تسع وعشرين مع بلخ بن عقبة الأزدي في سبعمائة فقدموا مكة وحكموا بالموقف وعامل المدينة يومئذ عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك فطلبهم في الموادعة حتى ينقض الموسم وأقام للناس حجهم ونزل بمنى وبعث إلى أبي حمزة عبيد الله بن حسن بن الحسن ومحمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد وعبيد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في أمثالهم فكشر في وجه العلوي والعثماني وانبسط إلى البكري والعمري وقال لهما: ما خرجنا إلا بسيرة أبويكما! فقال له عبيد الله بن حسن: ما جئنا للتفضيل بين آبائنا وإنما جئنا برسالة من الأمير وربيعة يخبرك بها ثم أحكموا معه الموادعة إلى مدتها ونفر عبد الواحد في النفر الأول فمضى إلى المدينة وضرب على أهلها البعث وزادهم في العطاء عشرة وبعث عليهم عبد العزيز بن عبد الله بن عمر ابن عثمان فانتهوا إلى فديك وجاءتهم رسل أبي حمزة يسألونهم التجافي عن حربهم وأن يخلوا بينهم وبين عدوهم فلما نزلوا قديد وكانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب فطلع عليهم أصحاب أبي حمزة من الغياض فأثخنوا فيهم وكان قتلاهم نحو سبعمائة من قريش وبلغ الخبر إلى عبد الواحد فلحق بالشام ودخل أبو حمزة المدينة منتصف صفر سنة ثلاثين وخطب على المنبر وأعلن بدعوته ووعظ وذكر ورد مقالات من عليهم وسفه رأيهم وأحسن السيرة في أهل المدينة واستمالهم حتى سمعوه يقول: من زنا فهو كافر ومن سرق فهو كافر وأقام ثلاثة أشهر ثم ودعهم وسار نحو الشام وكان مروان قد سرح إليهم عبد الملك بن محمد بن عطية بن هوزان في أربعة آلاف ليقتل الخوارج حتى يبلغ اليمن فلقي أبا حمزة في وادي القرى فانهزمت الخوارج وقتل أبو حمزة ولحق فلهم بالمدينة وسار عطية في أثرهم إلى المدينة فأقام بها شهرا ثم سار إلى اليمن واستخلف على المدينة الوليد ابن أخيه عروة وعلى مكة رجلا من أهل الشام وبلغ عبد الله طالب الحق مسيرة إليه وهو بصنعاء فخرج للقائه واقتتلوا وقتل طالب الحق وسار ابن عطية إلى صنعاء وملكها وجاء كتاب مروان بإقامة الجح بالناس فسار في إثنتي عشر رجلا ومعه أربعون ألف دينار وخلف ثقله بصنعاء ونزل الحرف فاعترضه ابن حماية المرادي في جمع وقال له ولأصحابه: أنتم لصوص فاستظهروا بعهد مروان فكذبوه وقاتلهم فقتلوه وركد ريح الخوارج من يومئذ إلى أن ظهرت الدولة العباسية وبويع المنصور بعد السفاح فخرج سنة سبع وثلاثين) بالجزيرة ملبد بن حرملة الشيباني فسارت إليه روابط الجزيرة في ألف فارس فهزمهم وقاد منهم ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبي ومهلل بن صفوان مولى المنصور ثم نزار من قواد خراسان ثم زياد بن مسكان ثم صالح بن صبيح فهزمهم كلهم واحدا بعد واحد وقتل منهم ثم سار إليه حميد بن قحطبة وهو عامل الجزيرة فهزمه وتحصن حميد منه فبعث المنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار في الجيوش ومعه زياد بن مسكان فأكمن له الملبد وقاتلهم ثم خرج الكعبين فانهزم عبد العزيز وقتل عامة أصحابه فبعث المنصور حازم بن خزيمة في ثمانية آلاف من أهل خراسان فسار إلى الموصل وعبر إليه الملبد دجلة فقاتله فانهزم أهل الميمنة وأهل الميسرة من أصحاب حازم وترجل حازم وأصحابه وترجل ملبد كذلك وأمر حازم أصحابه فنضحوهم بالنبل واشتد القتال وتزاحفت الميمنة والميسرة ورشقوهم فقتل ملبد في ثمانمائة ممن ترجل معه ثلثمائة قبل أن يترجل وتبعهم فضالة صاحب الميمنة فقتل منهم زهاء مائة وخمسين ثم خرج سنة ثمان وأربعين أيام المنصور بنواحي الموصل حسان بن مخالد بن مالك بن الأجدع الهمداني أخو مسروق وكان على الموصل الصغر بن يجدة وليها بعد حرب بن عبد الله فسار إليهم فهزموه إلى الدجلة وسار حسان إلى العمال ثم إلى البحر وركب إلى السند وقاتل وكاتب الخوارج بعمان يدعوهم ويستأذنهم في اللحاق بهم فأبوا وعاد إلى الموصل فخرج إليه الصفر بن الحسن ابن صالح بن جنادة الهمداني وهلال فقتل هلالا واستبقى ابن الحسن فاتهمه بعض أصحابه بالعصبية وفارقوه وقد كان حسان أمه من الخوارج وخاله حفص بن أشتم من فقهائهم ولما بلغ المنصور خروجه قال: خارجي من همذان فقيل له إنه ابن أخت حفص بن أشتم قال: من هناك وإنما أنكر المنصور ذلك لأن عامة همذان شيعة وعزم المنصور على الفتك بأهل الموصل فإنهم عاهدوه على أنهم إن خرجوا فقد فلت ديارهم وأموالهم وأحضر أبا حنيفة وابن أبي ليلى بن شبرمة واستفتاهم فتلطفوا له في العفو فأشار إلى أبي حنيفة فقال: أبا حوا ما لا يملكون كما لو أباحت إمرأة فزوجها بغير عقد شرعي فكف عن أهل الموصل ثم خرج أيام المهدي بخراسان يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرة واجتمع شركس فبعث إليه المهدي يزيد بن مزيد الشيباني ابن أخي معن فاقتتلوا قتالا شديدا وأسره يزيد وبعث به إلى المهدي موثقا وحمل من النهروان على بعير وحول وجهه إلى ذنبه كذلك فدخلوا إلى الرصافة وقطعوا ثم صلبوا وكان حروبا متعودا فغلب على بوشنج ومرو الروذ والطالقان والجوزجان وكان على بوشنج مصعب بن زريق جد طاهر بن الحسين فهرب منه وكان من أصحابه معاذ الفارياني وقبض معه ثم خرج معه أيام المهدي بالجزيرة حمزة بن مالك الحزاعي سنة تسع وستين وهزم منصور بن زياد وصاحب الخراج وقوي أمره ثم اغتاله بعض أصحابه فقتله ثم خرج آخر أيام المهدي بأرض الموصل خارجي من بني تميم اسمه ياسين يميل إلى مقاتله صالح بن مسرح فهزم عسكر الموصل وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة فبعث إليه المهدي القائد أبا هريرة محمد بن مروخ وهزيمة بن أعين مولى بني ضبة فحارباه حتى قتل في عدة من أصحابه وانهزم الباقون ثم خرج بالجزيرة أيام الرشيد سنة ثمان وسبعين الوليد بن طريف من بني مغلب وقتل إبراهيم بن خالد ابن خزيمة بنصيبين ثم دخل أرمينية وحاصر خلاط عشرين يوما وافتدوا بثلاثين ألفا ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى حلوان وأرض السود وعبر إلى غرب دجلة وعاث في أرض الجزيرة فبعث إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني وهو ابن أخي معن في العساكر فمكث يقاتله وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فاغروا به الرشيد وأنه أبقى على الوليد برجم وائل فكتب إليه الرشيد يتهدده فناجزه يزيد الحرب في رمضان سنة تسع وسبعين وقاتلهم قتالا شديدا فقتل الوليد وجيء برأسه ثم أصبحت أخته مستلئمة للحرب فخرج إليها يزيد وضربها على رأسها بالرمح وقال لها أعدي فقد فضحت العشيرة فاستحيت وانصرفت وهي تقول في رثائه الأبيات المشهورة التي منها:أيا شجر الخابور مالك مورقا ** كأنك لم تجزع على ابن طريففتى لا يحب الزاد إلا من التقى ** ولا المال إلا من قنا وسيوفوانقرضت كلمة هؤلاء بالعراق والشام فلم يخرج بعد ذلك إلا شذاذ متفرقون يستلحمهم الولاة بالنواحي إلا ما كان من خوارج البربر بأفريقية فإن دعوة الخارجية فشت فيهم من لدن مسيرة الظفري سنة ثلاث وعشرين ومائة ثم فشت دعوة الإباضية والصفرية منهم في هوارة ولماية ونفزة ومغيلة وفي مغراوة وبني يفرن من زناتة حسما يذكر في أخبار البربر لسي رستم من الخوارج بالمغرب دولة في تاهرت من الغرب الأوسط نذكرها في أخبار البربر أيضا ثم سار بأفريقية منهم على دولة العبيديين خلفاء القيروان أبو يزيد بن مخلد المغربي وكانت له معهم حروب وأخبار تذكرها في موضعها ثم لم يزل أمرهم في تناقض إلى أن اضمحلت ديانتهم وافترقت جماعتهم وبقيت آثار نحلتهم في أعقاب البربر الذين دانوا بها أول الأمر ففي بلاد زناته بالصحراء منها أثر باق لهذا العهد في قصور ربع وواديه في مغراوة من شعوب زناتة ويسمون الراهبية نسبة إلى عبد الله بن وهب الراهبي أول من بويع منهم أيام علي بن أبي طالب وهم في قصور هنالك مظهرين لبدعتهم لبعدهم عن مقال أهل السنة والجماعة وكذلك في جبال طرابلس وزناتة أثر باق تلك النحلة تدين بها أولئك البربر في المجاورة لهم مثل ذلك وتطير إلينا هذا العهد من تلك البلاد دواوين ومجلدات من كلامهم في فقه الدين وتمهيد عقائده وفروعه مباينة لمناحي السنة وطرقها بالكلية وإلا أنها ضاربة بسهم في إجادة التأليف والترتيب وبناء الفروع على أصولهم الفاسد وكان بنواحي البحرين وعمان إلى بلاد حضرموت وشرقي اليمن ونواحي الموصل آثار تفشي وعروق في كل دولة إلى أن خرج علي بن مهدي من خولان باليمن ودعا إلى هذه النحلة وغلب يومئذ من كان من الملوك باليمن واستلحم بني الصليحي القائمين بدعوة العبيديين من الشيعة وغلبوهم على ما كان بأيديهم من ممالك اليمن واستولوا أيضا على زبيد ونواحيها من يد موالي بني نجاح ومولى ابن زياد كما نذكر ذلك كله في أخبارهم إن شاء الله سبحانه وتعالى فلتصفح في أماكنها ويقال إن باليمن لهذا العهد شيعة من هذه الدعوة ببلاد حضرموت والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء.